روائع مختارة | قطوف إيمانية | الرقائق (قوت القلوب) | هل الأسرة المسلمة مستهدفة.. إعلاميا في رمضان؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > الرقائق (قوت القلوب) > هل الأسرة المسلمة مستهدفة.. إعلاميا في رمضان؟


  هل الأسرة المسلمة مستهدفة.. إعلاميا في رمضان؟
     عدد مرات المشاهدة: 2503        عدد مرات الإرسال: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيد الخلق؛ محمد .. إخواني وأخواتي.. كل عام وأنتم من الله أقرب وعلى طاعته أدوم وأحرص.

ونسأل الله أن يبلغنا ثواب شهر رمضان، وأن ينفع بنا الإسلام ويعز المسلمين.

من العام إلى العام ينتظر المسلم الطائع ربه دقائق رمضان الغالية؛ حتى يستثمرها في طاعته سبحانه وتعالى، ويخرج بالهدف الذي من أجله صام وقام، ألا وهو التقوى ونيل المغفرة من المولى جلَّ وعلا.

ولكن الشياطين يعلمون أنهم في هذا الشهر مسلسلة أقدامهم، فيعمدون إلى نفر آخر؛ ليقوموا مكانهم في غواية البشر، بل يستهدفون خاصة الأسرة المسلمة، فتعالوا بنا نتعرف على مدى هذا الاستهداف أولاً، فقد قال الله جلَّ وعلا: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: 21].

 فالأسرة في الدين الإسلامي هي اللبنة الأساسية التي يقوم عليها عماد المجتمع، والتي تُعتبر اللبنة الثانية بعد الفرد المسلم، والذي يتكون بهما المجتمع. كما أنها جزء من منظور الإسلام في نظرته الشاملة للحياة وأساس بقاء قوة الأمة الإسلامية وصمودها في وجه الطغيان على مرِّ الدهور والعصور؛ لذلك عمد أعداء الإسلام إلى التخطيط لاستهداف الأسرة المسلمة وتفكيكها بشتى الطرق، فقديمًا كانوا يخططون في الخفاء تحت شعارات رنانة مثل: تحرير المرأة، وحرية الحياة الجنسية.. إلخ.
 
ولكن الآن لم يعد يرتب لهذه الأمور في الخفاء، ولكننا أصبحنا نرى ذلك علنًا عبر وسائل الإعلام المختلفة، ثم نراها وقد أخذت أسلوبًا علنيًّا في رمضان، ولعلك شاهدت كم الإعلانات الفاضحة في الشوارع عن المسلسلات الرمضانية، والتي يجاهرون بها علنًا، وكيف أنهم بذلوا الجهد والوقت والمال لعرضها في رمضان!!

والله لا أدري متى وكيف يستطيعون عرض كل ذلك في نهار وليل رمضان، ويا ليتها مسلسلات أو برامج أو أفلام تحثُّ على الفضائل والقيم أو تُحَدِّثنا عن التاريخ الصحيح للأمة أو تراعي حشمة وستر الزي الإسلامي، بل هي والله بحق -كما سَمَّاها الداعية الشيخ وجدي غنيم- "العفن الفنِّي".

فهي تُقَدِّم كل ما يفسد الأسرة سواء الزوجة على زوجها، أو الابن علي أبيه، أو الزوج على زوجته.. إلخ، وذلك كله يذكرنا كيف فكرت الصهيونية العالمية بالسيطرة على العالم الإسلامي، ووصلت إلى أن انهيار الأخلاق يبدأ بسيطرة الشهوات على المسلمين، فعندما جاء نابليون بسفينة محملة بغانيات وسُئل عن ذلك قال: "إن كأسًا وغانية يفعلان بالأمة المحمدية ما لا يفعله ألف مدفع".

ولهذا أعلن أحد كبار الصهاينة ويدعى (دور كايم) أن الأسرة نظام لا ضرورة له، والأصل هو شيوعية "النساء"!! وأيضًا قال أحدهم: إن الأسرة نظام "برجوازي" رجعي يجب هدمه"!

وراح هؤلاء الشياطين يبثون سمومهم من خلال الفن، وبيوت الأزياء، ودور السينما والملاهي والمراقص، والمجلات المثيرة، والقصص الغرامية، والمنتجات السياحية؛ حتى تفككت المجتمعات الإسلامية ووصلت إلى ما وصلت إليه من فساد.

قال "هنري فورد" في كتابه "اليهود العالمي": "لقد سعى اليهود من أجل تحقيق غاياتهم إلى السيطرة على ثلاثة أشياء: البنوك للربا، والسينما لتقديم مفاهيم مسمومة، وشركات الملابس لتقديم الأزياء والمساحيق والعطور، وما سواها من مستلزمات الموضة".

ومن هنا أصيبت الأسرة -حصن المجتمع ومصنع طاقته- في صميمها، وأخذت تعصف بها تيارات الهدم؛ بسبب انحلال الرجل، وفقدان المرأة لصفات الأنثى الفاضلة.

وعلى الجانب الآخر أدرك "المنصِّرون" أن المرأة ذات أثر عميق في التربية، فَأَوْلُوها اهتمامًا كبيرًا؛ فبادروا إلى إنشاء مدارس تبشيرية للبنات في بلدان العالم الإسلامي التي منيت بالاستعمار الغربي، وقالوا: "إن التبشير يكون أتم حبكًا في مدارس البنات الداخلية؛ لأنها تجعل الصلة الشخصية بالطالبات أوثق، ولأنها تنزعهن من سلطات البيئة المسلمة إلى بيئة المسيحية".

وبداية الخيط في هذه المؤامرة ترجع إلى سنة 1884م؛ حيث ألف "مرقص فهمي" كتاب "المرأة في الشرق"، حدَّد فيه خطة الاستعمار المطالبة بتحقيق أغراض، هي:

أولاً: القضاء على الحجاب.

ثانيًا: إباحة الاختلاط للمرأة المسلمة.

ثالثًا: منع الزواج بأكثر من واحدة.

رابعًا: إباحة الزواج بين المسلمات وغير المسلمين.

ثم جاءت الأمم المتحدة بمؤامراتها التي استهدفت الأسرة، ومنها على سبيل المثال: مؤتمر القاهرة الدولي للسكان والتنمية "5- 12 سبتمبر 1994م"، ومؤتمر بكين "سبتمبر 1995م"، وصولاً إلى مؤتمر إسطنبول للإسكان والإعمار "1996م"، وهذه أهم توصيات تلك المؤتمرات:

1- إباحة الإجهاض بجعله قانونًا معتمدًا، وقد حاول واضعو الوثيقة استخدام تعبيرات متعددة؛ لإباحة الإجهاض، مثل: الحمل غير المرغوب فيه!

 2- تقديم المعلومات والثقافة الجنسية للمراهقين، وإباحة الممارسات الجنسية، وحقهم في سرية هذه الأمور وعدم انتهاكها من قِبَل الأسرة!

 3- تشجيع الأزواج والزوجات على الممارسات التي تقع خارج العلاقات الشرعية!

 4- اعتبار ممارسة الجنس والإنجاب حرية شخصية!

 5- تحجيم وتهميش دور الآباء في الرقابة على السلوك الجنسي للأبناء!

 وذلك كله ما نراه الآن في برامج ومسلسلات رمضان التي تستهدف من خلالها الأسرة.

 ولكن..

ليست الصورة كلها سوداء، فلقد ظهر الآن الإعلام الإسلامي المُوَجَّه والهادف الذي نستطيع الانتفاع به في رمضان وغير رمضان، فهناك قنوات كلها إسلامية وقنوات تعنى بتربية الفرد والأسرة نستطيع متابعتها بلا قلق.

 ولكن أوقات رمضان غالية، فإياك أن تهدرها حتى في فراغ بلا معاصي، فوالله من قال: الوقت كالذهب مخطئ، أو قال: الوقت أغلى من الذهب مخطئ أيضًا؛ "فالوقت هو الحياة"، فاحرص أخي على وقتك، واحرصي أختي على تربية الأبناء بعيدًا عن مخطط الأعداء؛ حتى نكمل اللبنة في المجتمع المسلم، وعَلِّموا أولادكم خطط أعدائكم؛ حتى يشبُّوا على الفخر بالإسلام، والعزة في جناب الله.

وفي هذه الأيام المباركة لا بد أن يكون للأب والأم دور بديل عن التلفاز؛ ليقل ولع الأبناء بمشاهدته والانجذاب لمغرياته الهدامة، وفي استغلال هذا الأمر يمكن أن نوصي الأبوين بما يلي:

- متابعة صيام الأولاد، والحث عليه لمن قصَّر منهم في حقه.

- تذكيرهم بحقيقة الصيام وأنه ليس فقط ترك الطعام والشراب، وإنما هو طريق لتحصيل التقوى، وأنه مناسبة لمغفرة الذنوب وتكفير الخطايا.

عن أبي هريرة أن رسول الله رقي المنبر فقال: "آمين، آمين، آمين". فقيل له: يا رسول الله، ما كنت تصنع هذا؟ فقال: "قال لي جبريل: رغم الله أنف عبد أو بَعُدَ دخل رمضان فلم يغفر له، فقلت: آمين. ثم قال: رغم أنف عبدٍ أو بَعُدَ أدرك والديه أو أحدهما لم يدخله الجنة، فقلت: آمين. ثم قال: رغم أنف عبد أو بَعُدَ ذُكِرت عنده فلم يصل عليك، فقلت: آمين"[1].

- تعليمهم آداب وأحكام الطعام من حيث الأكل باليمين ومما يليهم، وتذكيرهم بتحريم الإسراف وضرره على أجسادهم.

- منعهم من الإطالة في تناول الإفطار بحيث تفوتهم صلاة المغرب جماعة.

- التذكير بحال الفقراء والمعدمين ممن لا يجدون لقمة يطفئون بها نار جوعهم، والتذكير بحال المهاجرين والمجاهدين في سبيل الله في كلِّ مكان.

- وفي هذه الاجتماعات مناسبة لاجتماع الأقرباء وصلة الأرحام، ولا تزال هذه العادة موجودة في بعض البلدان، فهي فرصة للمصالحة وصلة الرحم المقطوعة.

- إعانة الأم في إعداد المائدة وتجهيزها، وكذا في رفع المائدة، وحفظ الطعام الصالح للأكل.

- تذكيرهم بصلاة القيام والاستعداد لها بالتقليل من الطعام وبالتجهز قبل وقت كافٍ لأدائها في المسجد.

- بالنسبة للسحور يُذكِّر الأبوان ببركة السحور وأنه يقوي الإنسان على الصيام.

- إعطاء وقتٍ كافٍ قبل صلاة الفجر؛ لكي يوتر من لم يوتر منهم، ولكي يصلي من أخَّر صلاته إلى آخر الليل، ولكي يدعو كل واحدٍ ربه بما يشاء.

- الاهتمام بصلاة الفجر في وقتها جماعة في المسجد للمكلفين بها، وقد رأينا كثيرًا من الناس يستيقظون آخر الليل لتناول الطعام ثم يرجعون إلى فرشهم، تاركين صلاة الفجر.

- كان من هديه في العشر الأواخر أنه "يحيي ليله ويوقظ أهله"، وفي هذا دلالة على أن الأسرة يجب أن تهتم باستغلال هذه الأوقات المباركة فيما يرضي الله عز وجل، فعلى الزوج أن يوقظ زوجته وأولاده للقيام بما يقربهم عند ربهم عز وجل.

- قد يوجد في البيت أولاد صغار وهم بحاجة للتشجيع على الصيام، فعلى الأب أن يحثهم على السحور ويُشجعهم على الصيام بالثناء والجوائز لمن أتم صيام الشهر أو نصفه.. وهكذا.

عن الربيع بنت معوذ قالت: أرسل النبي غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: "مَن أصبح مفطرًا فليتمَّ بقية يومه، ومن أصبح صائمًا فليصُم". قالت: فكنا نصومه بعدُ ونصوِّم صبياننا الصغار ونذهب بهم إلى المساجد، ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار[2].

وفي هذا الحديث: "تمرين الصبيان على الطاعات، وتعويدهم العبادات، ولكنهم ليسوا مكلفين".

- إن تيسر للأب والأم الذهاب بالأسرة إلى العمرة في رمضان فخيرٌ يقدمونه لأنفسهم ولأسرتهم، فالعمرة في رمضان لها أجر حجة، والأفضل الذهاب في أوله تجنبًا للزحام.

- وعلى الزوج أن لا يكلِّف زوجته بما لا طاقة لها به من حيث إعداد الطعام والحلويات، فإن كثيرًا من الناس اتخذوا هذا الشهر للتفنن في الطعام والشراب والإسراف فيه، وهو ما يُذهب حلاوة هذا الشهر ويُفوِّت على الصائمين بلوغ الحكمة منه وهو تحصيل التقوى.

- شهر رمضان شهر القرآن، فننصح بعمل مجلس في كل بيتٍ يُقرأ فيه القرآن ويقوم الأب بتعليم أهله القراءة، ويوقفهم على معاني الآيات، وكذا أن يكون في المجلس قراءة كتاب في أحكام وآداب الصيام، وقد يسَّر الله تعالى لكثير من العلماء وطلبة العلم أن يؤلِّفوا كُتبًا في مجالس رمضان، ويحوي الكتاب ثلاثين مجلسًا، فيُقرأ في كل يوم موضوعٌ، فيتحصل منه خير عميم للجميع.

- يحثهم على الإنفاق وتفقد الجيران والمحتاجين.

عن ابن عباس قال: "كان رسول الله أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كلِّ ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فَرسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة"[3].

- وعلى الأبوين منع أهلهم وأولادهم من السهر الذي يضيع فيه الأوقات من غير فائدة، فضلاً عن السهر على المحرَّمات، فإن شياطين الإنس تخرج من أصفادها في هذا الشهر لتقدِّم للصائمين الشرور والفسق والفجور في ليالي رمضان ونهاره.

- تذكر اجتماع الأسرة في جنة الله تعالى في الآخرة، فالسعادة العظمى هو اللقاء هناك تحت ظلِّ عرشه سبحانه، وما هذه المجالس المباركة في الدنيا والاجتماع على طاعته في العلم والصيام والصلاة إلا سبيل من هذه السبل التي تؤدي إلى تحقيق هذه السعادة.

[1] رواه ابن خزيمة.

[2] رواه البخاري.

[3] رواه البخاري ومسلم.

الكاتب: م. مصطفى رشاد

المصدر: موقع إخوان أون لاين